نحن والصين !

في كل مرة يفاجئنا الصينيون بخرجاتهم، يزداد تقديرنا لهم ولجرأتهم وحسن تدبيرهم ، وتزداد حاجتنا للاستفادة منهم ، واستخلاص الدروس مما يفعلون وكيف يفكرون وينفذون مخططاتهم، وهم الذين يحسبون ألف حساب لكل مجال يقتحمونه ، ولا مجال للخطأ عندهم أو المغامرة لأنهم يحملون هم أكثر من مليار من البشر يمثلون ربع سكان العالم .

الصينيون أعلنوا الأسبوع الماضي قرار حكومتهم بإرسال 500 شاب موهوب في كرة القدم إلى مدارس كروية في أوربا لإعدادهم وتحضيرهم للانضمام إلى مختلف المنتخبات الكروية ، وبعدها دخول المنافسة بكل قوة ، واقتحام عالم جديد بالنسبة إليهم لأنهم كانوا منشغلين بأولويات أخرى ، انتهوا منها وقرروا الانتقال إلى مجال أخر لصنع التألق والتفوق بعد أن أدركوا أهميته السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
العملية تبدو بسيطة ولكن مدلولها كبير ويؤكد بأن الصينيين فهموا بأن كرة القدم ليست مجرد لعبة، بل فوائدها وتألق منتخباتها يخدم الصين مثلما يخدمها وجودها ضمن كبار العالم الذين يملكون حق الفيتو في هيئة الأمم المتحدة ، ويخدمها مثلما يخدمها غزوهم الاقتصادي لكل بقاع الدنيا ، ويخدمها كما خدمها احتضانها للألعاب الأولمبية السابقة ، وكما سيخدمها تنظيم الألعاب الأسيوية المقبلة.
الصينيون لم يهتموا بكرة القدم سابقا لأنهم لا يملكون المهارات الطبيعية في ممارستها، ولا الاهتمام الشعبي بها مقارنة بالرياضات الفردية ، ولكن تجاربهم وحاجتهم إلى خوض تجارب أخرى ، ورغبتهم في تلبية حاجة جماهيرية يتزايد الطلب عليها ، واكتشافهم للدور الذي يمكن أن تلعبه كرة القدم سياسيا واجتماعيا ، كلها عوامل ساهمت في اعتماد هذا التوجه.
الحكومة لم تكتفي باتخاذ قرار البحث عن الموهوبين وإرسالهم إلى أحسن المدارس الأوربية ، بل رسمت هدفها من ذلك بالتأهل إلى مونديال 2018 .

اهتمام الصينيين بكرة القدم يخيف كل الأسيويين في المنافسات القارية وفي تصفيات كأس العالم بعد أن أدركوا بأن الأكثر من المليار نسمة فيهم الملايين من يهتمون بالكرة ، وفيهم الآلاف من يتقنون ممارستها ، وبإمكانهم صناعة مجد جديد ، وغزو أخر لعالم كانوا يشاهدونه فقط على شاشات التلفزيون ، قبل أن يلفت انتباههم هذا الزخم والاهتمام العالمي الرسمي والشعبي بلعبة تدر المال ، والمتعة والاستقرار والاعتزاز بالانتماء .

اهتمام الصينيين بكرة القدم رغم أنه لا يحرجنا ،إلا أنه يجب أن يثير فينا الغيرة، ويجعلنا ندرك أكثر قيمة وأهمية اللعبة في عصرنا الحالي ، واعتبارها مشروع حضاري واقتصادي واجتماعي أيضا ، واهتمام الصينيين ونجاحهم في مجالات أخرى يجب أن يثير فينا نفس القدر من الغيرة والرغبة في التعامل مع الحياة بنفس الفلسفة والرؤية التي لا تؤمن بالمستحيل ، وتسعى دائما لكسب المزيد ليس من الجانب المادي فقط .


" نقلا عن جريدة الهداف الجزائرية "