هبة الثواب
الفقير إن جاء -مثلا- بطيب طيب الرائحة، ومده للأمير، ماذا تسمى؟ يسمي هدية وهبة؛ لأنها من النازل للعالي، تسمي هدية. ومن العالي لمن تحته تسمي صدقة، وأما من إنسان لمن هو مثله فتسمي عطية، وقد تسمي -أيضا- هدية.
والغالب أن الفقير إذا أهدى للأمير فإنه -والحال هذا- يريد أكثر منها، فهو يقول: أنا أهديت للأمير هذه الفاكهة العجيبة، أو هذه الأطياب وما أشبهها، أريد أن يثيبني ويعطيني أكثر مما أعطيته. والعادة أنه كذلك: أن هذا الأمير الذي أهدي له يثيب هذا الفقير، يعطيه ثمنها مرتين أو أكثر، أيا كانت تلك الهدية، ولو كانت متوفرة، ولو أهدى إليه -مثلا- فاكهة كعنب أو رطب، مع أنه قد تكون عنده أكثر -عند الأمير- ولكنه أراد بذلك الثواب.
فذكرنا أنه إذا شرط فيها الثواب فإنها تسمي هبة ثواب، وفي هذه الحال لها حكم البيع: يصح أن يرجع فيها فيقول: أنا أعطيتك أو هبتك هذا الكيس، ولم تهدني ولم تثبني، فأنا أحق بها. ورد في ذلك حديث الرجل أحق بعطيته ما لم يثب عليها يعني: مادامت موجودة، ولم يحصل له ثواب، وقد عرف بأنه قصد الثواب والعوض، فله -في هذه الحال- أن يرجع فيها؛ لأنها شبه بيع. والبيع لا بد له من عوض.
ولذلك قالوا: إنه تصح الشفعة فيها إذا حدد الثمن. فإذا كان لك قطعة أرض إلي جنب أحد جيرانك، فأهديتها إلي أمير -مثلا- وقلت: أريد أجرها أو أريد ثوابها -مثلا- مائة ألف، في هذه الحال الجار الذي إلي جانبك يقول: أنا لي شفعة أشفع فيها، وأدفع مائة الألف حتى تكون الأرض كلها لي.
يجوز؛ لأنها هبة ثواب، وهي بمنزلة البيع. وكذلك له أن يرجع فيها، كما عرفنا له أن يعود فيها ما لم يثب الرجل أحق بهديته ما لم يثب عليها يعني: إذا كان قد شرط ثوابا ولم يحصل له.
ثم العطية كأنها بين المتقاربين في الحال. يعني: إذا أعطيت -إذا سلمت- لأخيك شيئا أو لجارك، تسمي عطية، وكذلك لمن تحتك -إذا لم تقصد الأجر- تسمي -أيضا- عطية. ومن ذلك: عطية الوالد لأولاده تسمى عطية. فعطيتك لأخيك هذه عطية، ولزميلك وصديقك عطية، ولولدك عطية. وأما للفقير الذي هو أنزل منك فهذه تسمى صدقة، وأما للأمير الذي فوقك فهذه تسمى هدية وهبة، والغالب أنك تؤمل أكثر من ثمنها.