هبة الوالد لأبنائه
ذكروا -بعد ذلك- عطية الوالد لأولاده. أنه إذا أعطى أولاده عطية بدون سبب، فإنه يلزمه التسوية والعدل. تعرفون حديث النعمان بن بشير: بشير بن سعد، أعطى ولده عطية -النعمان- قيل: أنه أعطاه غلاما -نحله غلاما- فقالت أمه: أحب أن تشهد على ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فجاء ليشهده فقال: أكل ولدك نحلته مثله؟ قال: لا. فقال: فارجعه، أو قال: أتحب أن يكونوا لك في البر سواء؟ قال: نعم. قال: فلا إذًا، وقال: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم وقال: -لما قال أشهدك على هذا- قال: لا أشهد على جور .
كل هذه الألفاظ في الصحيحين أو أحدهما. وقوله: اعدلوا بين أولادكم العدل: هو التسوية. اختلف في مفهوم هذه الكلمة، فبعضهم قال: يسوى بين الذكر والأنثى، قوله: اعدلوا بين أولادكم يعني: سووا بينهم. فيعطى الذكر كالأنثى.
وقيل: أن العدل أن يقسم لهم على الميراث -على ما في الميراث- للذكر سهمان وللأنثى سهم، وذلك لأن كتاب الله -تعالى- هكذا فرض لهم، ولا شك أنه أعدل العدل. القرآن هو أعدل ما يقال، إنه عدل؛ لهذا هو الصحيح أنه يسوى بينهم بقدر ميراثهم، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وإذا قدر أنه فضل بعضهم وزاده، ففي هذه الحال يلزمه التسوية، فيسترد ما أعطى ذلك الذي أعطى؛ لقصة النعمان. فإنه رد تلك الهبة أو تلك النحلة، ردها.
علم بذلك أنها لا تلزم. ما لزمت ولو قبضها ذلك الابن. وأنه يلزمه التسوية، فإن قدر على أن يعطي الآخرين مثل هذا الذي أعطاه، فإنه يلزمه أحد أمرين: إما أن يعطى الآخرين حتى يستووا، أو يسترد ما أخذه من ذلك الذي فضله.
لو قدر أن الأب مات قبل أن يسوي بين أولاده. ففي هذه الحال هل تثبت؟ ذكروا أنها تثبت، وأن الورثة ليس لهم مطالبة أخيهم، وهذا هو الذي عليه الفتوى. وذهب آخرون إلى أن للورثة مطالبة أخيهم، فيقولون: أبونا فضلك، أعطاك شيئا زائدا علينا بغير سبب، فنحن لا نرضى، فيلزمك أن تأتي بما أعطاك وتضعه في التركة، ونقتسمه بالسوية. هذا قول لبعض العلماء، وله وجاهته؛ حتى لا يلحق أذى بأبيهم.
لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- سماه جورا لا أشهد على جور لهذا -إذا أرادوا إبراء ذمة أبيهم- فإنه يلزمهم التسوية، فيرد ذلك الذي فضل على إخوته.