المقدمة الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد سيد الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد : إخواني المسلمين ، يقول الله عز وجل : ((جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ)) سورة المائدة الآية 97
أي قواما لهم في أمر دينهم ودنياهم ما دام في الأرض دين وما حج عند الكعبة حاج ، وعندها المعاش والمكاسب . هذا البيت الحرام هو أول بيت وضع للناس ، قال تعالى : ((إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ )) سورة آل عمران الآية 96
((فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا )) سورة آل عمران الآية 97.
وهو في واد غير ذي زرع ، وضع فيه إبراهيم الخليل ابنه إسماعيل وأمه ودعا ربه متضرعا : ((رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)) سورة إبراهيم الآية 37.
والمعنى أنه عليه الصلاة والسلام دعا ربه عز وجل أن يجعل ذريته موحدين مقيمين للصلاة التي هي من أخص وأفضل العبادات الدينية ، ودعاه أيضا أن يجعل أفئدة - أي قلوبا - من الناس تحبهم وتحب الموضع الذي هم ساكنون فيه ، فأجاب الله تعالى دعاء خليله ، فأخرج من ذرية إسماعيل محمدا - صلى الله عليه وسلم - سيد الأنبياء والمرسلين وإمام الموحدين ، فدعا إلى الدين الإسلامي وإلى ملة إبراهيم ، فاستجابوا وصاروا مقيمين للصلاة . وافترض الله حج هذا البيت وجعل فيه سرا عجيبا جاذبا للقلوب ، فهي تحجه ولا تقضي منه وطرا على الدوام ، بل كلما أكثر العبد التردد إليه ازداد إليه شوقه وعظم ولعه وتوقه . وجعل سبحانه هذا البلد أيضا آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء ، فإنك ترى مكة كل وقت والثمار فيها متوفرة والأرزاق تتوالى إجابة لدعوة خليله عليه السلام وفضلا منه سبحانه على هذا البلد الحرام وأهله .
ومن خصائص هذا البلد أيضا أنه بلد حرام حرمه الله . ففي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة : (( إن هذا البلد حرمه الله ، لا يعضد شوكه ، ولا ينفر صيده ، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها)) متفق عليه .