في المال المرهون
ولابد من كونه مالاً قابلاً لأن يستوفى منه الحق أو بعضه بلحاظ ماليته، إما بنفسه ـ كما لو كان من سنخ الحق المرهون عليه ـ أو ببدله، كالأعيان القابلة لأن تباع، فلا يصح رهن ما لا مالية له، كبعض الحشرات، ولا ما له مالية عرفية إلا أنه لا يقابل بالمال شرعاً، كالخمر والخنزير، أو ما له مالية إلا أنه لا يمكن استيفاء الحق منه، مثل ما يسرع له الفساد إذا ابتنى الرهن على أن لا يباع بل يبقى بعينه إلى حين حلول الدين.
(مسألة
: لا يصح رهن الخمر والخنزير مع كون الراهن أو المرتهن مسلماً، وإن كان الآخر كافراً.
(مسألة 9): لا إشكال في صحة رهن الأعيان الخارجية. وأما منافع الأعيان قبل استيفائها والديون غير المقبوضة فيشكل صحة رهنها، نعم لا بأس بجعلها وثيقة على الحق تبعاً لشرط في ضمن عقد لازم، نظير ما تقدم في الوجه الثاني لإنشاء الرهن وذلك بأحد وجهين..
الأول: أن يشترط في العقد اللازم كونها بنفسها وثيقة على الدين، فيقول المقرض مثلاً للمقترض: أقرضتك هذه المائة دينار إلى سنة على أن تكون منفعة دارك أو الدين الذي لك على زيد وثيقة لديني هذا، فيقبل المقترض ذلك.
الثاني: أن يشترط في العقد اللازم جعل الوثيقة من دون تعيين، فيقول المقرض مثلاً للمقترض: أقرضتك هذه المائة دينار إلى سنة على أن تجعل لي وثيقة على ديني هذا، فيقبل المقترض، ثم يتفقان اتفاقاً آخر على أن الدين الخاص أو المنفعة الخاصة هي الوثيقة على ذلك الدين عملاً بمقتضى الشرط. وعلى كلا الوجهين يكون للمقرض في المنفعة أو الدين المذكورين حق نظير حقه في الرهن يقتضي حجرهما له واستحقاقه استيفاء دينه منهما، ولا يصح الالتزام بكونهما وثيقة على نحو الاستقلال من دون شرط سابق، نظير ما تقدم في الوجه الأول لإنشاء الرهن، فإن ذلك يختص برهن الأعيان. وبلحاظ مشروعية الوجه السابق يصح تعميم الرهن للمنافع والديون.
(مسألة 10): رهن المنافع بالوجه المتقدم يبتني..
تارة: على التعجيل باستيفائها بالأجر ثم حفظ الأجر ليستوفى منه الدين عند حلوله.
واُخرى: على عدم استيفائها إلا عند حلول الدين، فيستوفي منها حينئذٍ صاحب الدين بنفسه ما يقابل دينه، أو تستأجر العين ويستوفى الدين من أجرتها.
وكذلك الديون حيث يبتني رهنها..
تارة: على التعجيل باستيفائها وحفظ المال ليستوفى منه الدين عند حلوله.
واُخرى: على عدم استيفائها إلا عند حلول الدين. وتعيين أحد هذه الوجوه تابع لاتفاق الطرفين.
(مسألة 11): تعارف في عصورنا أن يشترط الدائن على المدين استيفاء دينه من راتبه الشهري الذي يستحقه بعمله بقدر معين أو بنسبة معينة في كل شهر. وذلك إن ابتنى على التزام المدين للدائن بالعمل الذي يستحصل به الراتب ـ بحيث ليس له التفرغ وترك العمل ـ كان مبتنياً على ما سبق من رهن المنافع، لأن الأعمال من جملة المنافع، وإن لم يبتن على ذلك بأن لم يكن ملزماً من قبله بالعمل، فهو أجنبي عن الرهن، وراجع إلى اشتراط الوفاء من مال خاص، وهو شرط نافذ، وإن لم يكن ذلك المال مستحقاً بعمل، بل كان من سنخ التبرع، كما لو اشترط الدائن على المدين أن يوفي دينه مما يصل له من حقوق شرعية أو عادات على الناس أو هبات مبتدأة خاصة، أو نحو ذلك. ومنه الرواتب التي تبذل في عصورنا للمشتغلين بطلب العلوم الدينية. ويترتب على ذلك أنه لابد في صحة العقد على الوجه الأول من كون العمل الذي يستحق به الراتب محللاً والاستئجار عليه صحيحاً. أما الثاني فيكفي في صحته ملكية المدين للراتب ولو بعد حصوله في يده، لكونه مباحاً أصلياً أو مالاً مجهول المالك يصح له تملكه بوجه شرعي.
(مسألة 12): ما سبق في رهن الدين والمنفعة جارٍ في رهن الحق إذا كان مقابلاً بالمال، كحق السرقفلية الذي تقدم الكلام فيه في ذيل كتاب الإجارة، وحق الأولوية للمزارع في الأراضي الخراجية الذي تقدم الكلام فيه في فصل شروط العوضين من كتاب البيع.
(مسألة 13): في جواز رهن الكلي على إطلاقه ـ كثوب أو بقرة ـ أو الكلي في المعين ـ كثوب من رزمة معينة ـ إشكال. نعم يجوز التوثق بهما للدين بالالتزام به في ضمن عقد لازم، نظير ما سبق في المنافع والديون، وحينئذٍ يكون على من عليه الدين دفع فرد من الكلي ليكون هو الوثيقة.
(مسألة 14): لا يجوز رهن الأعيان غير المملوكة كالأوقاف والأراضي الخراجية، إلا أن يرجع رهن الوقف إلى رهن منفعته إذا كانت ملكاً للموقوف عليهم، ورهن الأرض الخراجية إلى رهن حق الأولوية فيها، فيصح بالوجه الذي تقدم في المسألة (9).
(مسألة 15): المال المرهون على دين يجوز رهنه على دين آخر إما بنحو يزاحم مقتضى الرهن الأول، كما لو اقتضى كون الاستيفاء للدينين في عرض واحد أو ابتنى على شرط مخالف لمقتضى الأول، وإما بنحو لا يزاحمه، كما لو اقتضى الاستيفاء للدين الثاني بعد استيفاء الدين الأول من دون أن يبتني على شرط مناف لمقتضى الرهن الأول، ولا فرق بين كون الدينين لشخص واحد وكونهما لشخصين. نعم لابد في الصورة الثانية من رضا المرتهن الأول إذا كان الرهن الثاني مزاحماً للرهن الأول، أما إذا لم يزاحمه فلا يعتبر رضاه. كما يمكن في المقام فسخ الرهن الأول بالتقايل من الطرفين ثم رهن المال على الدينين معاً.
(مسألة 16): يجوز تعدد الرهن على الدين الواحد، فللمرتهن استيفاء دينه من كل من الرهنين مخيراً بينهما أو مع تقديم أحدهما، حسب ما يتفق عليه الطرفان.
(مسألة 17): لا يعتبر في المال المرهون أن يكون ملكاً للمدين بل يجوز رهن ما لا يملكه المدين، سواء كان ملكاً لغيره أم لم يكن مملوكاً لأحد كالصدقات العامة. نعم لابد من إذن من له الولاية على المال المرهون من مالك أو ولي، وإذا وقع الرهن بغير إذنه كان فضولياً وتوقف نفوذه على إذنه. بل يصح التبرع لغير المدين برهن ماله على دين غيره، فإذا كان زيد مديناً لعمرو جاز لبكر أن يرهن ماله على الدين المذكور، وحينئذٍ لا يعتبر إذن زيد، بل يكفي اتفاق بكر وعمرو على ذلك، والراهن في الحقيقة في جميع ذلك هو صاحب المال المرهون.
(مسألة 18): من رهن ماله على دين غيره، فإن لم يكن الرهن بطلب من المدين ولا بإذنه فلا يستحق الرجوع على المدين إذا استوفى المرتهن دينه من المال المرهون، وإن كان بإذن المدين أو بطلب منه كان لصاحب المال المرهون الرجوع عليه إذا استوفى المرتهن دينه من المال، إلا أن يكون إذنه في الرهن أو طلبه له مبنياً على التبرع وعدم الضمان، فلابد حينئذٍ من قيام القرينة على ذلك.
(مسألة 19): لا يعتبر العلم بمقدار المال المرهون ولا بصفاته ولا بمقدار ماليته.