الرجوع في الهبة
يقول: " ويحرم على الواهب أن يرجع في هبته بعد قبض، وكره قبله، إلا الأب". ذكر أنها لا تلزم إلا بالقبض بإذن الواهب. فإذا قبضها المتهب -الموهوب- بعد أن يأذن له الواهب ويقول: اقبض هذه الهدية أو هذه الهبة خذها فهي لك، قبضها. فهل لصاحبها أن يرجع فيها؟ إذا كانت هبة تبرر -ليست هبة ثواب- لا يجوز. وقد اشتهر الحديث المشهور قوله: -صلى الله عليه وسلم- العائد في هبته كالعائد في قيئه وقال: ليس لنا مثل السوء. العائد في هبته كالكلب يقيئ ثم يعود في قيئه .
هذا مثل سيئ -يعني- مطابق الكلب إذا أكل كثيرا. إذا وجد -مثلا- جيفة، وأكل منها، وأكل وأكثر من الأكل وامتلأ، وخاف أنه يضره؛ فإنه يتقيأ، يقيئ نصف ما أكل. فبعد خمس ساعات أو ثلاث ساعات يأتي إلى قيئه -ولو كان منتنا كريه الرائحة- فيأكل قيئه.
يقول قتادة: ولا أعلم القيء إلا حراما. فالإنسان -مثلا- إذا تقيأ أكلا، أكل -مثلا- لحما أو خبزا أو نحو ذلك، وبعدما استقر في بطنه تقيئه. فهل نفسه تطمئن إلى أن يعود فيـأكل ذلك القيء؟ لا شك أنه مستقذر طبعا. فيقول قتادة: ولا أعلم القيء إلا حراما. فإذا كان كذلك، عرف أنه لا يجوز.
لا يجوز الرجوع في الهبة. من وهبها وبعدما استلمها المتهب، رجع فيها. -ولو كانوا في المجلس، ولو قبل التفرق- فإنه مثل الكلب. أيا كانت، ولو كانت كثيرة، ولو وهبك بيتا وأعطاك مفاتيحه، أو وهبك أرضا وأعطاك وثائقها، وبعدما أعطاك وتمت الهبة وتم التقبل والقبض قال: ردوا عليّ بيتي أو أرضي أو ناقتي أو سيارتي. ألست قد وهبتها لي؟ أليس قد أهديتها لي؟ فإذا قال: أنا أحق بها. فالجواب: أن ذلك لا يحل لك.
إلا إذا كان قد اشترط أجرا، وهي هبة الثواب -كما تقدم- ففي هذه الحال يجوز أن يرجع في هبته، إذا كان قد اشترط لها عوضا. ويسمى المردود يعني: ما يرده المتهب على الواهب. وأما قبل القبض فإنه مكروه يعني: أعطاك أو وهبك كتابا، وضعه على الطاولة: وهبتك هذا الكتاب أو هذا الكيس، وقبل أن تقبضه وتستلمه أراد الرجوع، مكروه رجوعه ولو كان جائزا. يجوز ولكن مع الكراهة.
ويستثنى -أيضا- الأب فيما يهب لأولاده؛ وذلك لأن الوالد يملك ما بيد الأبناء. فله -إذا وهبهم- أن يرجع. واستدل بحديث النعمان، لما وهب ابنه النعمان ذلك العبد، رجع فيه لما قال له -صلى الله عليه وسلم-: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم فلما لم يكن عنده ما يسوي به بين أولاده، رجع ورد تلك الهبة و النحلة.