الرجوع في العطية
العطية لا يصح الرجوع فيها؛ وذلك لأنه تبرع بها، وإنما منعنا إخراجها انتظار أن يموت فتخرج من الثلث، أو يشفى فيخرجها، فهو -مثلا- إذا قال وهو مريض: لك يا سعد هذه السيارة، ولك يا عمرو هذه الأرض، ولك يا إبراهيم هذه النقود المصرورة، وهو مريض، في هذه الحال لا تنفذ، لا، ولكن قُدِّر أنه شفي، ونحن قد منعناهم من أن يستلموها، فهل له أن يرجع؟ ليس له ليرجع في العطية، والعائد في هبته كالعائد في قيئه، وإن كانت لا تلزم -كما تقدم- إلا بالقبض، ولكن هذا قد تبرع بها، وأصبحت كأنها ملك له؛ فليس له الرجوع، بخلاف الوصية فإن له الرجوع.
إذا قال: إذا مت فأعطوا زيدا هذه السيارة، وأعطوا سعدا هذه العمارة، وأعطوا بكرا هذه القطعة من الأرض، ثم شفي فهل يلزم إعطاؤهم؟ لا يلزم، له أن يرجع؛ وذلك لأن الوصية لا تنفذ إلا بعد الموت، فله أن يرجع في الوصية، ولا يرجع في العطية، ثم إذا قدر أنه قال: أعطوا زيدا هذه الشاة وهو مريض، وأعطوا سعدا هذه الناقة، وهو مريض، فكل منهم قال: قبلت، ولكن منعناهم من أخذها مخافة ألا تخرج من الثلث، فولدت الشاة، ونتجت الناقة ثم مات، وخرجت عن الثلث، في هذه الحال الولد - ولد الناقة- والشاة هل يكون تركة أو يكون للمعطى؟ يكون للمعطى؛ وذلك لأنها دخلت في ملكه من وقت القبول، فهذا معنى يعتبر قبولها عند وجودها، كانت موجودة فلما اعتبر قبولها صار نماؤها تبعا لها.
وهكذا لو قال: أعطوا زيدا هذه النخلة، ثم لم يمت حتى حملت، وزيد قد قبلها، ولما مات طالبه الورثة بالحمل فهل لهم ذلك؟ ليس لهم، لو قالوا: إنها ما حملت إلا بعد الموت، أو قبل الموت، فالجواب: أنها تلزم بالقبول، والقبول قد حصل.
وهكذا لو كانت دارا، أعطوا زيدا هذه الدار، وأعطوا عمرا هذا الدكان وقبل كل منهما، ولكن ما سلمناها مخافة أن يموت، ولا تخرج من الثلث، ولما مات، وإذا هي قد أجرت الدار -مثلا- بعشرة آلاف، والدكان -مثلا- بخمسة ففي هذه الحال نقول: إنه -والحال هذه- الأجرة للمعطى؛ لأنها خرجت من الثلث، وملكها من وقت القبول، فهذا معنى: يعتبر قبولها عند وجودها.