مقدمة الوصية
ثم هناك -أيضا- مقدمة للوصية رواها كثير من العلماء، إذ كانوا يكتبونها في مقدمة وصاياهم، وجاء في مصنف عبد الرزاق وغيره من المصنفات القديمة أنهم كانوا يكتبون في مقدمة الوصية: "هذا ما أوصى به فلان، وهو يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق، والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأوصى من خلفه بأن يتقوا الله، ويصلحوا ذات بينهم إن كانوا مؤمنين، وأن يحافظوا على الصلوات، وأن يبتعدوا عن المحرمات".
يعني: نصائح يكتبها لورثته، أو لمن بعده فإن كان يستحبون هذا في مقدمة الوصية، ثم الوصية التي ذكرت في القرآن هي الوصية بالمال في قول الله -تعالى- في سورة البقرة: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فإن كان هذا قبل أن تنزل المواريث.
"كتب" يعني: فرض عليكم إذا حضر أحدكم الموت أن يوصي، فيقول: أعطوا أبوي من مالي كذا، أعطوا الوالد كذا، والوالدة كذا، والأخ الفلاني كذا، والأخ الفلاني كذا، والابن كذا، والبنت كذا، هذا معنى كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا يعني: معنى الوصية للوالدين، والأقربين، فالأقربون يدخل فيهم الإخوة ونحوهم، ولما نزلت آيات المواريث نسخ ذلك يعني: نسخ الإطلاق، فقيدت الوصية لغير الوارث، فجاء الحديث المشهور، قوله -صلى الله عليه وسلم-: إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث أي: قد بين الله -تعالى- الحقوق فلا يصح أن يوصي للوارث، بل الوارث يكفيه نصيبه من الإرث.